عُقِد المؤتمر الافتتاحي لمؤسسة أمّتكس على مدى ثلاثة أيّام، من ١٣ إلى ١٥ يونيو ٢٠٢٣، في مدينة إسطنبول، تُركيا. وقد استقطب المؤتمر طيفًا متنوّعًا من المهتمّين بالفكر الأُمَّتي، من خلفيّات أكاديميَّة وغير أكاديميَّة على السواء. وشارك في عرض الأوراق البحثيَّة ٢٧ باحثًا وباحثة من جامعات من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الولايات المتّحدة الأمريكيّة، والمملكة المتّحدة، وكندا، ومصر، والسويد، وألمانيا، والإمارات العربيّة المتّحدة، وتُركيا.وقد تنوّعت موضوعات الأوراق المقدّمة بين تصوّرات لمفهوم الأُمَّة، وأفكار متعلّقة بالخلافة والنظرية السياسيّة الإسلاميّة، ورُؤى حول نظام حُكم إسلامي معاصر يناسب واقع العالم الحديث.
اليوم الأوّل: ١٣ يونيو ٢٠٢٣م
بدأ اليوم الافتتاحي من المؤتمر عند السّاعة ٦:٠٠ مساءً بكلمة ترحيبيّة عامّة قدّمها منسّق ملتقى أمّتكس، الدكتور جوزيف ج. كامينسكي، تلتها الكلمة الرئيسيّة لمؤسِّس مؤسسة أمّتكس ورئيسها البحثي، الدكتور عويمر أنجم. وقد بدأ الدكتور كامينسكي بتقديم نفسه للحضور، ثم تحدّث عن المراحل التي مرّت بها فكرة المؤتمر منذ نشأتها الأولى إلى أن أصبحت واقعًا مُنظَّمًا.أعقبت ذلك مداخلة الدكتور أنجم، التي تناول فيها الخلفيّات والدوافع الكامنة وراء هذا المشروع العالمي الطموح، وشرح فيها بمزيد من التفصيل معنى «أمّتكس» ودلالاته. وقد تولّى إدارة الجلسة الدكتور عثمان بدر، مدير العمليات البحثيّة والمحرّر الرئيسي في أمّتكس.
اليوم الثاني: ١٤ يونيو ٢٠٢٣م
الجلسة الأولى – تصوُّر الأُمَّة
استُهلّت هذه الجلسة ببحثٍ قدّمه عبد الرحمن نور (جامعة إسطنبول) بعنوان: «تصوُّر أُمَّة شورويَّة: مدخل إلى الخيال الدستوري عند نامق كمال». تناولت الورقة الجهد الفكري للمصلح العثماني البارز في أواخر العصر العثماني، نامق كمال، الذي كتب بإسهاب عن السياسة والقانون والمجتمع في الإسلام، سعيًا لفهم أعمق لمفهوم الأُمَّة ووظائفها. وقد شدّد الدكتور نور على قيمة الشورى، واقترح تأسيس «مجلس شورى أُمَّتي».
أمّا الورقة الثانية، فقد قدّمها مايكل كابلان (جامعة جورج واشنطن George Washington University) تحت عنوان: «الفاعل الأُمَّتي: إعادة النَّظر في علاقات الأُمَّة، والقوميَّة، والذَّات». استند كابلان إلى بحثٍ إثنوغرافي موسّع أجراه على رجالٍ مسلمين معولَمين ناطقين بالإنجليزيَّة، لِيخلُص إلى أنّ تجربة المسلم الفرد مع «عولمة الإسلام» تبقى متداخلة مع النّظام القومي المهيمن، ولا تكون بالضّرورة في حالة صدام مع مفهوم القوميَّة العِرقيَّة. وقد خَلُص إلى أن «الأُمَّة» تُختَبَر وتُعاش من خلال الدولة القوميَّة، بحيث تتفاعل وحدتا التنظيم الظاهريّتان — أي «الأُمَّة» و«الدولة القوميَّة» — بشكل جدليّ، وتُصبحان في نهاية المطاف مكوّنتَين متبادلتَي التشكُّل والتعريف.
قدّم الدكتور أحمد علي سالم (جامعة زايد) ورقته البحثيّة بعنوان: «الأُمَّة والخلافة: تصوّرات الأفغاني ورشيد رضا حول الوحدة السياسيّة للمسلمين». تناولت الورقة مفهوم الأُمَّة في كتابات مفكّري أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، مثل جمال الدين الأفغاني (ت. ١٣١٤هـ) ورشيد رضا (ت. ١٣٥٤هـ)، بالإضافة إلى تناول مساهمات بعض المفكّرين المعاصرين، مثل منى أبو الفضل (ت. ١٤٢٩هـ). كما بحثت الورقة في دور المنظّمات الإسلاميّة العابرة للحدود القوميّة — مثل منظّمة التعاون الإسلامي (OIC) والمعهد العالمي للفكر الإسلامي (IIIT) — في تعزيز فكرة الأُمَّة الإسلاميَّة في واقعنا المعاصر.
قدَّم الدكتور رزارت بيكا (جامعة جورجتاون Georgetown University) الورقة الختاميّة في هذه الجلسة، بعنوان: «إعادة تصوُّر الأُمَّة والفعل الأُمَّتي في خطاب عبد الله بن بيه». تناولت دراسته العميقة والأصيلة الجوانب المناهِضة للبعد الأُمَّتي في اجتهادات العالِم الصوفي المعاصر البارز عبد الله بن بيه، ولا سيما في تنظيره لِما بعد الرّبيع العربي. ومن خلال تحليل ما صاغه ابن بيه حديثًا تحت مسمّى «فقه السّلام»، يرى الدكتور بيكا أنّ هذا النموذج الفقهي يُفضي إلى شرعنة الفصل بين الدين والسياسة، ويُفضي في نهاية المطاف إلى تكريس النِّظام العالمي القائم على الدولة القوميَّة.
الجلسة الثانية – النظرية السياسيّة الإسلاميّة: الماضي، الحاضر، المستقبل
ترأّس الجلسة الثانية الدكتور أندرو مارش (جامعة ماساتشوستس – أمهيرست University of Massachusetts–Amherst).
قدّم عبد الرحمن رشدان (جامعة ولاية جورجيا Georgia State University) الورقة الأولى في هذه الجلسة، بعنوان: «أهل الحَلّ والعَقد: بين الفكر الإسلامي الكلاسيكي والتطبيق المعاصر». تناولت الورقة أوجه القصور في الديمقراطيّة بصيغتها الراهنة، واقترحت بدائل إسلاميّة قابلة للتطبيق ضمن نموذج الدولة القوميّة الحالي. وقد شرح الباحث مفهوم «أهل الحَلّ والعَقد» بوصفهم أصحاب التأثير والريادة الاجتماعيّة في الأمّة. وتمحور طرحه الأساسي حول إمكانيّة تقوية هذا المفهوم وتفعيله ضمن بنية ديمقراطيّة تعمل، بما يخدم المسلمين في المجتمعات القائمة، ويمهّد الطريق نحو وحدة سياسيّة أُمَّتيّة.
قدّم الشَّيخ جعفر لداك (الكلّية الإسلاميّة، لندن) العرض التالي في الجلسة، بعنوان: «مبدأ حريّة التنقُّل في ضوء القرآن والسُّنَّة والفقه الجعفري الاثني عشري». في عرضٍ حيويٍّ ومفعمٍ بالحماسة، استند إلى نصوص القرآن الكريم والسُّنَّة النبويَّة، وإلى فتاوى العالِم الشيعي آية الله السيّد محمّد تقي المُدَرِّسي، من أجل بلورة رؤية إسلاميَّة لمبدأ حريّة التنقُّل.وقد تمثّل الطرح المحوري في التأكيد على أنّ بلاد المسلمين كلّها أرضٌ واحدة، وأنّ حريّة التنقُّل تُعدّ من المقدّسات في الإسلام، فهي حقٌّ غير قابل للمُصادرة، منحَه الله للإنسان.
قدّم رياض العَريّان (جامعة جورجتاون Georgetown University) ورقةً بحثيّة بعنوان: «ماضٍ حقيقيّ ومستقبلات ممكنة: البدايات العَلمانيّة للإسلام ونهاية التقليد الأُنطولوجي»، تناول فيها آثار الانهيار الأُنطولوجي في حياة المسلمين بعد عام ١٩٢٤م. استند العريّان إلى مفهوم «التقاليد الأُنطولوجيّة» (Ontological Traditions) كما طوّره جارِت زيغون، والمقصود به الأساليب المعياريّة في الكينونة التي تربط بين إمكانيّات السّرد والتخيُّل للماضي الواقعي والمستقبلات الممكنة.ورأى العريّان أن التهديد الذي واجهه كلٌّ من شيخ الإسلام العثماني الأخير مصطفى صبري، وزعيم قبيلة كرو الأميركيّة (Crow nation) بلينتي كُوبس، يتمثّل في اندثار تقاليدهم الأُنطولوجيّة. وخلص إلى أنّ دعوة صبري لإحياء الخلافة، شأنها شأن الحراكات المعاصرة الهادفة إلى استعادتها، تعبّر عن سعيٍ إلى «تثبيت الإسلام ضمن تقليدٍ أُنطولوجيٍّ معياريّ يُعيد إلى المسلمين قدرتهم على الفعل».
قدّم أحمد البوهي (الجامعة الأمريكيّة بالقاهرة) ورقةً بعنوان: «خلافة حديثة: نحو وحدة سياسيّة أُمَّتيّة»، عرض فيها رؤيةً جديدة لوحدة أُمَّتيّة عابرة للحدود القوميّة الحديثة، تحت قيادة إمامٍ أو زعيمٍ واحد. واقترح البوهي تصورًا هيكليًّا لمجموعة من المؤسَّسات والهيئات ووظائفها المختلفة التي يُفترَض توافرها ضمن نظام الخلافة الحديثة.وبحسب البوهي، فإن الهدف الأساسي للخلافة يتمثّل في حفظ الدِّين، وتحقيق الحُكم الرشيد، وضمان التوزيع العادل للثّروات، وتوفير الأمن، وتطبيق الشريعة والعدالة على الوجه الصّحيح. وقد رفض المؤلّف الأخذ بالنموذج الفيدرالي اللامركزي للاتّحاد الأوروبي، وأكّد بدلاً من ذلك على ضرورة أن يُنظَر إلى قائد الخلافة باعتباره رئيسًا لدولة إسلاميّة واحدة، تتشكّل من خلال توحيد الدُّول ذات الأغلبيّة المسلمة في كيانٍ سياسيٍّ واحد.
اختُتمت الجلسة الثانية بورقةٍ قدّمتها أنوار عُميش (جامعة شيكاغو University of Chicago) بعنوان: «أسرار الشريعة: القانون وغايات الإمامة في كتاب الجُويني غياث الأمم». ترى عُميش أنّ أغلب القراءات الأكاديميّة المعاصرة لكتاب الغياثي للإمام الجويني لا تستند إلى فهم شموليّ لمجمل الكتاب، إذ يركّز معظم الباحثين على جانبٍ واحد منه ويغفلون بقيّة الجوانب.وقدّمت عُميش في عرضها قراءة تحليليّة متكاملة لهذا العمل المهمّ، مستحضرةً مختلف أقسام نصّ هذا العالِم السنّي البارز. وتُشير إلى أنّ القراءة الكلّيّة وحدها هي التي تُنصف عمل الجويني وتُبرز قوّته الحقيقيّة وأهميّته.
الجلسة الثالثة – التخيُّل ما بعد الدولة القوميّة
ترأّس الجلسة الثالثة الدكتور جوزيف ج. كامينسكي (الجامعة الدوليّة في سراييفو International University of Sarajevo).
قدّمت الدكتورة سميّة ساكاريا (جامعة أنقرة) الورقة الأولى في هذه الجلسة، بعنوان: «ما بعد القوميّ: العلاقيّة كمدخل لقراءة أُمَّتيّة؟». سعت الورقة إلى تطوير منهجيّةٍ علائقيّة (relational method) لقراءة السياسة الأُمَّتيّة، من خلال توظيف الكماليّة والإسلاميّة بوصفهما مفهومين يجمع بينهما تشابه بنيويّ من نمط «شَبَه العائلة» (family resemblance)، وذلك لسدّ فجوةٍ في دراسات ما بعد الحدود القوميّة فيما يتعلّق بتجارب المسلمين بعد سقوط الخلافة. تُشير ساكاريا إلى أن الأدبيات القائمة تركّز بشكلٍ أساسي على تجربة المسلمين العابرين للحدود في فترة إلغاء الخلافة، لكنها لا تُولي اهتمامًا يُذكر لتجاربهم بعد ذلك. وترى أنّ المنهج النسبي يُعدّ الأنسب لتحليل تشكُّل الهويّات القوميّة بعد الخلافة في دول مثل تُركيا، والسنغال، وبنغلاديش.
قدّم أحمد أوكوموش (جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفيّة Fatih Sultan Mehmet Vakuf University) ورقةً بحثيّة بعنوان: «اللاهوت الأخلاقي في مواجهة الدولة: ماكنتاير ووهبة الزحيلي»، ناقش فيها البحث عن رؤية اجتماعيّة-أخلاقيّة ما بعد الدولة، ذات جذور دينيّة، في أعمال ألسدَير ماكنتاير ووائل حلّاق. يحاول ماكنتاير تقديم تصوّر مجتمعيّ لما بعد الدولة، يقوم على مفهوم «السياسة كممارسة» (politics-as-practice)، مستندًا إلى تقليد مسيحيّ توماوي-أرسطي. أمّا حلّاق، فيُبرز استحالة الجمع بين الإيمان بشريعة إلهيّة مُنزّلة تشكّل أساسًا معياريًّا في الإسلام، من جهة، ومفهوم السّيادة الحديث للدولة القوميّة (state sovereignty)، من جهة أُخرى، نظرًا لعدم قابلية التصالح بينهما. ويُشير أوكوموش إلى تنامي الاهتمام بمقارباتٍ لاهوتيّة لفهم بنية الدولة، وهو ما يُعيد طرح مسألة الأخلاق ودورها إلى واجهة النظرية السياسيّة. ويخلص إلى أنّ دراسة الدولة من منظور لاهوتي، مسيحيّ وإسلاميّ على حدّ سواء، تؤدّي إلى تبنّي موقف «مضادّ للدولة» (counter-state)، يوجّه نقدًا بنيويًّا إلى مفهوم الدولة ككيان سياسيّ.
قدّم الدكتور حسام الدين (جامعة قره بوك Karabuk University) ورقةً بعنوان: «تجاوز الدولة القوميّة: تطبيق مفهوم الأُمَّة على احتياجات اللاجئين»، يرى فيها أن من أبرز المآسي التي خلّفتها الحداثة على الأُمَّة الإسلاميّة هو ضعف الدولة القوميّة وفقدانها للبعد الإنساني، وهو ما انعكس بشكلٍ مأساويّ على واقع اللاجئين.
يشير في ورقته إلى أن الغالبيّة العظمى من لاجئي العالم اليوم هم من المسلمين، ممّا يُبرز أهمية قضيّة اللاجئين في الخطاب والممارسة الأُمَّتيّة. وقد طرح رؤيتين بديلتين للتخفيف من مشكلة الاغتراب التي يعاني منها اللاجئون في العصر الراهن: الرؤية الأولى تدعو إلى إضفاء البُعد الإنساني على نموذج الدولة القوميّة العَلمانيّة من خلال إدماج ما سمّاه «مبادئ الأُمَّة» (Umma principles) في بنيتها؛ أما الرؤية الثانية، فهي أكثر جذريّة، وتتمثّل في الدعوة إلى تبنّي نموذج بديل جذري للأُمَّة، يتولّى مسؤولية رعاية اللاجئين ودمجهم، ويتجاوز البُنى القوميّة القائمة.
قدّم الدكتور فيز الله يلماز (جامعة صباح الدين زعيم Sabahattin Zaim University) الورقة الختاميّة في الجلسة الثالثة، بعنوان: «التفكير ما بعد الدولة القوميّة: “السرديّة الراسخة” والرؤى السياسيّة البديلة في أدبيّات إقبال». كما يوحي العنوان، تُعالج الورقة ما يسمّيه الباحث بـ«السرديّة الراسخة» في تفسير أفكار الشاعر والفيلسوف محمد إقبال ، وتُثير تساؤلات حول القراءات الغالبة التي تركّز على الدولة القوميّة في تناول أدبيّات المفكّرين المسلمين.يرى يلماز أنّه ينبغي تحدّي هذه القراءات التي تحصر فكر إقبال ونظرائه ضمن أُطر الدولة القوميّة، من أجل فتح المجال لتفسيرات ورؤى سياسيّة بديلة. ثم ناقش الدكتور فايز الله عددٍ من الدراسات الحديثة في أدبيّات إقبال، والتي تتحدّى السرديّة السائدة المرتكزة على الدولة القوميّة، وتطرح رؤًى سياسيّة بديلة مستندة إلى كتابات إقبال ذاتها.كما أشار إلى أنّ ربط اسم إقبال بباكستان يجعل من الصعب إجراء دراسة موضوعيّة حول فكره، إذ يؤدّي ذلك إلى اختزال إقبال ضمن إطار قوميّ ضيّق لا يُعبّر عن الأفق الحضاري الواسع الذي ميّز مشروعه الفكري.
الجلسة الرابعة – النَّفس الأُمَّتيّة في أوقات المحنة
ترأّست الجلسة الرابعة الدكتورة كاترين جمعة (جامعة رود آيلاند University of Rhode Island).
كان أوّل المتحدّثين في هذه الجلسة الدكتور خلدون كراهانلي (جامعة ابن خلدون)، حيث قدّم ورقةً بعنوان: «أمّتكس الأمل: تجاوز صدمات (ما بعد) الدولة القوميّة الاستعماريّة في العالم الإسلامي». ناقش فيها ضرورة الأمل الجماعي في تحفيز العمل الأُمَّتي المستقبلي، مشدِّدًا على أهميّة علم النفس، والذي يرى أنّه يُهمَل كثيرًا في هذا السياق. وركّز كراهانلي على أنّ علم النفس يُعدّ سابقًا على السياسة، أي أنّ للخطاب الأُمَّتي بُعدًا نفسيًّا أصيلًا لا بدّ أن يقوم على التفاؤل والرّجاء بمستقبلٍ أفضل، قبل أن تظهر أيّ صياغات سياسيّة جادّة قادرة على التحقّق في الواقع.وقد وجّه انتقادات لاذعة لظاهرة «العجز المتعلَّم» (learned helplessness) بين المسلمين، معتبرًا أنّها تُشكّل عائقًا كبيرًا أمام قدرتنا على إدراك الفرص المتاحة للأُمَّة واستثمارها في اللحظة الراهنة.
قدّم الدكتور فادي زعتري (جامعة صباح الدين زعيم) وطارق الشراوي (معهد الدراسات الدينيّة والاجتماعيّة-السياسيّة) ورقةً مشتركة تركّز كذلك على مفهوم الأمل وعلاقته بالأُمَّة، بعنوان: «الأمل والتفاؤل كركيزتين لبناء الحضارات واستدامتها: رؤى إسلاميّة وغربيّة». استندت الورقة إلى كتابات كلٍّ من أبي الحسن الماوردي وألبيرت شفايتزر، في تحليل أهمية الأمل والتفاؤل في البناء الحضاري.وقد استشهد الباحثان بقولٍ للماوردي يؤكّد فيه أنّ التفاؤل والرّجاء عنصران أساسيّان لضمان قيام أُممٍ صحيحة البنية. لكن الأهمّ من ذلك، بحسب الورقة، أنّ الأمل والتفاؤل يُشكّلان شرطًا جوهريًّا لبناء تضامن أُمَّتي عابر للحدود. وشدّدت الورقة على ضرورة أن يتبنّى المسلمون مواقف نفسيّة متفائلة، باعتبارها مدخلًا لإحياء الحضارة الإسلاميّة وتعزيز التكاتف الأُمَّتي.
قدّمت روزينا راجا (جامعة كولومبيا Columbia University) ورقةً بعنوان: «مقاربة شِفائيّة في تطوير القيادة الأُمَّتيّة»، ركّزت فيها على البُعد العلاجي في مفهوم القيادة، مستلهمةً في ذلك أعمال شون جِنرايت، الذي يرى أن الشِّفاء، خلافًا لما يظنّه كثيرون، هو في جوهره فعلٌ سياسي.وفي عرضها، شدّدت راجا على أن القيادة الأُمَّتيّة لا ينبغي أن تُعيد إنتاج الخطابات السائدة المعادية للإسلام. ودعت إلى ضرورة أن تُركّز القيادة الأُمَّتيّة على بناء القدرات التي تُؤهّلها لمواجهة الأسباب البنيويّة التي تُنتج الصّدمات، بدلًا من الاكتفاء بإدارتها بعد وقوعها.
خاطرة للدكتور الشيخ ياسر قاضي
ألقى الدكتور ياسر قاضي خاطرة قصيرة وملهمة في ختام اليوم الثاني من المؤتمر، أعاد فيها التذكير بأهميّة ترسيخ الإيمان وتعزيز الصلة بالله سبحانه وتعالى. وبينما أقرّ بأهميّة المبادرات الساعية إلى الوحدة السياسيّة، والمشاريع الفكريّة والبحثيّة، أكّد في الوقت نفسه على ضرورة العناية بالتقوى والصلاح الفردي، بوصفهما السبيل الحقيقي للنجاح في الدُّنيا والآخرة.
اليوم الثالث: ١٥ يونيو ٢٠٢٣م
الجلسة الخامسة – التفاعل مع النِّظام العالمي القائم
ترأّست الجلسة الدكتورة هبة رؤوف عزّت (جامعة ابن خلدون).
قدّمت الدكتورة حفصة كنجوال (كلية لافاييت Lafayette College ) وأحمد بن قاسم ورقةً بعنوان: «القانون الدولي، حقوق الإنسان، والارتهانات القوميّة: رؤى من كشمير المحتلّة»، تناولت الديناميكيّات المعقّدة التي يتعيّن على الكشميريين مواجهتها تحت وطأة الاحتلال. وقد ركّزت الورقة على كتابات ثلاثة مفكّرين سياسيين من كشمير: قاسم فاكتو، والسيّد علي جيلاني، ومقبول بهات.وقد ذهب الباحثان إلى أن هؤلاء الثلاثة، على الرغم من اختلاف توجّهاتهم الأيديولوجيّة، كانوا يشتركون في رؤية لباكستان تتجاوز تعريفها كدولةٍ قوميّة. فقد تصوّروها بوصفها دولةً أُنشئت لحماية المسلمين جميعًا، ودعم نضالاتهم التحرّريّة. وبناءً على ذلك، يرى المؤلّفان أن تطلّع شعب كشمير إلى الالتحاق بباكستان لا ينبع فقط من مجرّد انتماءٍ قومي أو ديني، بل يستند أيضًا إلى اعتقادٍ راسخ بأن هذا الخيار يمنحهم قوّة تفاوضيّة أكبر ضمن النظام العالمي الراهن.
في عرضٍ مشوّق بعنوان «تجريم الخلافة: تحويل الذكرى إلى مقاومة»، تناولت إلهام إبراهيم (جامعة ابن خلدون) مسألة تجريم استحضار الخلافة سياسيًّا وخياليًّا في السياق الإسلامي منذ إلغائها عام ١٩٢٤م، ومرورًا بالحرب العالميّة على الإرهاب بعد أحداث ١١ سبتمبر، وصولًا إلى يومنا هذا. وقد بيّنت أنّ مجرّد تذكُّر الخلافة أو تخيُّلها كصيغةٍ سياسيّة ممكنة في العالم الإسلاميّ لا يزال يُعامَل باعتباره أمرًا مُجرَّمًا أو خارجًا عن المقبول سياسيًّا.وأشارت في عرضها إلى أنّ محاولات التوحيد السياسي في العالم الإسلامي، حتّى إن استندت إلى البُنى القائمة، غالبًا ما تُوصَف بالتخلّف والرجعيّة، في الوقت الذي تُشكّل فيه الدُّول القوميّة الأُخرى تحالفات وتكتّلات عابرة للحدود على أُسس أيديولوجيّة مشتركة، كالقيم الليبراليّة مثلًا، من غير أن تُواجَه بنفس الوصم أو الرفض.
استخدم مجتبی عيساني (جامعة قائد أعظم Quaid-i-Azam University) مناهج إحصائيّة كميّة لتحليل مواقف المسلمين تجاه المنظّمات الإقليميّة والدوليّة ذات الطابع الإسلامي، معتمدًا على بيانات ميدانيّة ومقاربة تجريبيّة. حملت ورقته عنوان: «المواقف تجاه المنظّمات الإقليميّة والدوليّة في العالم الإسلامي»، وناقشت التصوّرات السلبيّة السائدة بين المسلمين تجاه منظمات مثل منظّمة التعاون الإسلامي (OIC)، وجامعة الدول العربيّة (LAS)، ومجلس التعاون الخليجي (GCC).استند عيساني إلى بيانات مستمدّة من مشروعي الباروميتر العربي (Arab Barometer) ومسح القيم العالميّة (World Values Survey)، ليُبيّن أن السبب الرئيسي في هذه النظرة السلبيّة يعود إلى إخفاق تلك المنظّمات في تحقيق وحدة فعليّة للأُمّة الإسلاميّة، سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، ممّا أضعف من مكانتها وأفقدها ثقة الجماهير الإسلاميّة.
ناقش حمدية بيغوفيتش (جامعة أوربرو Örebro University) في ورقته المعنونة: «من مسلمي الأُمّة إلى البوشناق ذوي الهُويّة القوميّة: حالة مسلمي البوسنة» الإشكاليّة التي واجهها قادة البوسنة أثناء مرحلة تحرير البلاد وتشكيل الدولة، حيث دُفعوا تدريجيًّا بعيدًا عن هُويّة إسلاميّة أُمَّتيّة نحو هُويّة حديثة قائمة على التصنيف العرقي القومي تحت مُسمّى «بوشناق» (Bosniacs).أعاد بيغوفيتش النظر في تصنيف حركة النهضة القوميّة البوشناقيّة (Preporod)، وتساءل عمّا إذا كانت هذه التحوّلات نحو هُويّة علمانيّة تمثّل فعلًا نهضة حقيقيّة أم لا. كما تناولت الورقة دور الزعيم البوسني علي عزت بيغوفيتش في حشد الطاقات من أجل قيام الدولة البوسنيّة، مستعرضًا ذلك في ضوء كتابات عالم الاجتماع البوسني شاشير فيلاندرا، الذي اعتبر الحركة المرتبطة بعلي عزت بيغوفيتش المرحلة الثالثة من النهضة القوميّة في تاريخ البوسنة.
الجلسة السادسة – المعرفيّات الأُمَّتيّة
أدار الجلسة الدكتور عرفان أحمد (جامعة ابن خلدون).
قدّم محمّد شاه شَهْجهان (جامعة فرجينيا للتكنولوجيا Virginia Tech University) الورقة الأولى في هذه الجلسة، مستلهمًا من النموذج الشيوعي الأممي كما تجلّى في فكر أباني موكرجي، ليسرد سرديّة غنيّة حول نضال مسلمي كيرالا ضد الاستعمار من خلال ما عُرف بتمرّد المابيلا (Māppila Rebellion)، وما تلاه من تأسيس كيان سياسي أُطلق عليه «ملاياﻻ راجيام» (Malayala Rajyam)، والذي فُسّر في بعض الخطابات على أنه خلافة أو سلطنة.وقد رأى شَهْجهان أن «الإحساس بالفقد» بوصفه بناءً خطابيًّا كان الدافع الأساسي وراء التمرّد المناهض للاستعمار في إقليم مالابار، والذي اتّخذ طابعًا أُمَّتيًّا واضحًا. كما شرح كيف يمكن فهم حركة الخلافة في الهند بوصفها ظاهرة متّصلة بالأنطولوجيا السياسيّة للخلافة العثمانيّة في تركيا.
أثارت ورقة الدكتور فهد مسالخي (جامعة ويسكونسن–ماديسون University of Wisconsin–Madison) بعنوان: «هل ينبغي أن تكون هناك لغة أُمَّتيّة؟» نقاشًا واسعًا، ولاقت صدى خاصًّا بين الحضور من غير الأكاديميين. وقد أكّد مسالخي على أهميّة اللغة بوصفها أداةً للتواصل والتأثير، وعلى مركزيّة القرآن الكريم في حياة الأُمّة الإسلاميّة، ليطرح رؤيته بأن اللغة الأُمَّتيّة المنشودة ينبغي أن تكون العربيّة القرآنيّة، لا العربيّة الفصحى الحديثة.وأشار إلى أنّ وجود لغة أُمَّتيّة موحّدة هو شرط أساسي لتحقيق أهداف المشروع الأُمَّتي. واختتم عرضه باقتراح تأسيس مؤسّسة أُمَّتيّة تُعنى بتطوير مناهج ودورات في العربيّة القرآنيّة، لتنشئة جيلٍ من المسلمين أكثر وعيًا بالقرآن، وأكثر ارتباطًا بالأُمّة الإسلاميّة العالميّة.
قدّم فرحان أنصاري (جامعة نيوكاسل Newcastle University) ومحمد العاني (جامعة ماكماستر McMaster University) ورقةً بعنوان: «إعادة تخيُّل النظرية الاجتماعية: منظور أُمَّتيّ»، دعا فيها الباحثان إلى ضرورة «أمتنة» (Ummatization) النظرية الاجتماعية، أي توضيح الكيفيّات التي ترتبط من خلالها الظواهر الاجتماعيّة المختلفة بالأُمّة الإسلاميّة.ورأى الباحثان أن هذا المشروع يتطلّب الجمع بين العناصر ذات الصِّلة في الإنتاج المعرفي الغربيّ العَلماني، من جهة، والمفاهيم المؤصَّلة في البُنى المعرفيّة الإسلاميّة، من جهةٍ أُخرى. وأكّدا على أنّ الحاجة إلى هذا المنظور الجديد تنبع من الاعتراف بقصور المقاربات الأُمَّتيّة ضمن النماذج النظريّة الاجتماعيّة القائمة، وهو ما يفرض ضرورة تطوير نموذج معرفي جديد يستجيب لمتطلّبات الفهم الأُمَّتي للواقع الاجتماعي.
قدّم الدكتور جوزيف ج. كامينسكي (الجامعة الدوليّة في سراييفو International University of Sarajevo) والدكتور أسامة العزامي (جامعة أكسفورد ) ورقةً بعنوان: «هل يُشكّل الاختلاف العميق بين المسلمين عائقًا أمام الوحدة السياسيّة؟»، ناقشا فيها النّزعة الجوهريّة العَلمانيّة التي تُهيمن على النقاشات المعاصرة حول «العقل العام» (public reason) والاختلاف العميق. وقد بيّن الباحثان أنّ الأيديولوجيّات الليبراليّة التي تُروَّج على أنّها منصفة وعادلة، قد أضحت، في واقع الأمر، مصدرًا للظلم واللّامساواة بحقّ ملايين المسلمين حول العالم. وبدلًا من احتواء الخلاف، تحوّلت الليبراليّة إلى منظومة تُفاقم من حالات الإقصاء والتعصّب. ودافع الباحثان عن مقاربةٍ حواريّة للاختلاف العميق والعقل العام، تستند إلى القيم الإسلاميّة، باعتبارها الطريق الأمثل للتعامل مع الخلافات الجوهريّة في مجتمعات الأغلبيّة المسلمة، وتفادي تحوّلها إلى صراعات مدمّرة.
جلسة خاصّة مع الأخوات – الدكتور عويمر أنجم
أقام الدكتور عويمر أنجم جلسة خاصّة مغلقة للأخوات، عُقدت بين الجلستين خلال فترة استراحة الغداء. قدّم فيها شرحًا مبسّطًا لفكرة معهد «أمّتكس» ورسالته، مستخدمًا لغةً قريبة من المتلقّي، وركّز على حضور المشاعر الأُمَّتيّة في وجدان الأُمّة، لا سيّما بين الفئات المستضعفة والمهمَّشة، التي تشعر بأنّ الدولة القوميّة قد تخلّت عنها.وأوضح أنّ هذا الشعور الداخلي بالانتماء الأُمَّتي، وما يصاحبه من أخوّة عابرة للحدود بين المسلمين، هو ما يدفع الضعفاء والمقهورين إلى اللجوء إلى إخوانهم وأخواتهم في الأُمّة، لإدراكهم أنّ هؤلاء وحدهم من يُمكن أن يتفهّموا معاناتهم، في عالمٍ لا يكاد مسلم فيه يَسلم من مظالم أو تمييز.
الجلسات الختاميّة – نُخبة من العلماء والمفكّرين
شكّلت الجلسات العلميّة الختاميّة التي ضمّت نخبةً من الأكاديميّين البارزين إحدى أبرز محطّات المؤتمر. قُسّمت هذه الجلسات إلى حلقتين نقاشيّتين، جمعت بين مداخلات المشاركين وتفاعل الحضور. وقد ضمّت قائمة المتحدّثين:
-
- الدكتورة هبة رؤوف
- الدكتور عرفان أحمد
- الدكتور محمد فاضل
- الدكتور عويمر أنجم
- الدكتور أندرو مارش
- الدكتورة كاترين جمعة
استُهلّت الجلسات بملاحظات وتعقيبات فرديّة من كلّ مشارك حول مجريات المؤتمر. وقد جاءت المداخلات في غالبيّتها إيجابيّة وبنّاءة، حيث عبّر الجميع عن حماستهم لتحقيق هذا المشروع واقعًا ملموسًا، وأجمعوا على ضرورة أن تواصل مؤسسة أمّتكس توسيع قاعدتها من خلال تنظيم ورشات حضوريّة مستمرّة وفعاليّات عبر الإنترنت.
تلا ذلك فقرة حيويّة للأسئلة والنقاش المفتوح مع الجمهور، أُتيح فيها للحاضرين تقديم توصياتهم حول الاتجاهات التي ينبغي أن تسلكها المؤسسة في المرحلة القادمة. وقد تكرّر في مداخلات الجمهور التأكيد على أهميّة ربط التنظير بالممارسة، والانطلاق من القناعة بأن النظرية الجيّدة هي الأساس لممارسات جيّدة.
خاطرة ختاميّة – الإمام توم فَكِّيني
اختتم الإمام توم فكّيني المؤتمر بخاطرة مؤثّرة استمرّت خمس عشرة دقيقة. استهلّها بالتعبير عن سعادته البالغة بمشروع أمّتكس، مؤكدًا على الضرورة الملحّة لمثل هذه المبادرات في عالمٍ تُهيمن عليه الماديّة وتغوُّل الدولة القوميّة.ثمّ وجّه الحضور إلى أهميّة تزكية النفس، قولًا وعملًا، باعتبارها الطريق الأنجح لنيل الفلاح في الدنيا والآخرة. كما أكّد على قيمة التعلُّم عن العلماء الرّاسخين في العلم والدِّين، مشدِّدًا على أنّ«إعادة تقديس العلم ينبغي أن تتربّع في سلّم أولويّاتنا كأُمَّة، إذ لا نهضة بلا علمٍ نابع من التقوى والرُّشد.