في ندوة نوفمبر 2022، استضافت المؤسسة الباحث يحيى بيرت الذي عرض أحدث تقاريره الصادرة عن معهد «عيان»، بعنوان «الأمة على الهامش: الماضي، الحاضر، ومستقبل الأقليات المسلمة». يبيّن التقرير بأن الاستراتيجيات الرامية إلى تعزيز حريات وازدهار الأقليات المسلمة غالبًا ما طغت عليها المنافسات بين الدول في العالم الإسلامي ذي الأغلبية المسلمة، والتي تنظر إلى هذه الأقليات إما كأصول قومية أو كأعباء. ومع ذلك، فإن للأقليات المسلمة إمكانيات قوية في القوة الناعمة يمكن أن تسهم في إحياء الحضارة الإسلامية، بشرط أن يتم تغذية التضامن الأمتي على أسس أخلاقية لا أن يُفرغ من مضمونه لصالح قوميات دينية.
يمكنك قراءة تقرير معهد عيان من [هنا].
يحيى بيرت هو مدير الأبحاث في معهد «عيان» (Ayaan Institute)، عنده خبرة تزيد عن العشرين عامًا في مجال السياسة العامة المتعلّقة بشؤون المسلمين في بريطانيا على المستويات المجتمعية، والوطنية، والدولية. وهو مؤلّف كتاب «ديوان قصائد عبد الله كويليام» (The Collected Poems of Abdullah Quilliam) نُشر عام ٢٠٢١م. وقد كتب أكثر من عشر مقالات أكاديمية محكّمة حول جوانب من حياة وتاريخ المسلمين في بريطانيا.
ليندا هيُكي (باحثة دكتوراة في جامعة ابن خلدون في إسطنبول)، والدكتورة فاطمة راجينا (زميلة بحثية في جامعة دي مونتفورت (De Montfort University))، والدكتور صادق حميد (مؤلف كتاب «المسلمون البريطانيون: اتجاهات جديدة في الفكر الإسلامي والإبداع والنشاط» (British Muslims: New Directions in Islamic Thought, Creativity and Activism)) قدموا تعقيبات، تلاها كالمعتاد نقاش مفتوح.
الملخص
العرض الرئيسي (يحيى بيرت)
على الرغم من أن الأقليات المسلمة تشكل ثلثي عدد المسلمين عالميًا، إلا أنها لا تزال غير مدروسة بشكل كافٍ في إطار النقاشات حول العالمية الإسلامية. في ورقته «الأمة على الهامش»، يقدم يحيى بيرت من معهد «عيان» توصيات عملية حول كيفية اندماج هذه الأقليات الكبيرة ضمن سياسة الأمة. يحلل بيرت المسؤوليات الأخلاقية للمسلمين في الأقليات خارج «دار الإسلام»، ويشرح الحقوق والواجبات المترتبة عليهم تجاه مجتمعاتهم المحلية والأمة الإسلامية عمومًا.
تتركز مجتمعات المسلمة الأقلية في ثلاث مناطق رئيسية. المجموعة الأولى هي المجتمعات الإسلامية التاريخية في روسيا والهند والصين، التي استقرت منذ قرون ولكنها تواجه الآن ضغوطًا من حكوماتها. أما المجموعة الثانية فهي ضمن ما يُعرف بـ«أفريقيا الأربعة عشر» — وهي أقليات مسلمة تنعم بمستويات كبيرة من الحرية الدينية، وفي بعض الحالات، بالازدهار على مستوى القارة الأفريقية. وأخيرًا، هناك المسلمون في «الغرب التسعة»، والذين يعيشون في الدول الديمقراطية في أوروبا وأمريكا الشمالية، ويتمتعون بنفوذ غير متناسب على الساحة الدولية، لكنهم في الوقت ذاته يواجهون ضغوطًا للامتثال أو الاندماج. وعلى عكس الاعتقاد السائد، فإن الحرية الاجتماعية في هذه البلدان لا ترتبط بالضرورة بالحرية الدينية، والتي يجب السعي لتحقيقها بشكل فعّال.
إذًا، من المهم وضع إستراتيجية تمكّن الأقليات المسلمة ليس فقط من البقاء، بل من الازدهار داخل مجتمعاتها المحلية، وكجزء من الأمة الإسلامية. وعلى المستوى النظري، فإن دعوة القرآن إلى العدل والأخوّة تمثل قيماً خالدة يجب أن يتمسك بها المسلمون أثناء سعيهم لتحقيق هذا المشروع. كما أن وثيقة المدينة التي أقرّها النبي محمد صلى الله عليه وسلم تقدّم نموذجًا رائعًا للتعايش مع غير المسلمين تحت مظلة الإسلام. وتُعدّ الأمة الإسلامية بديلاً دوليًا جذّابًا للوضع القائم من الدول القومية، وهو وضع أضعفته بالفعل العولمة والقفزات في تقنيات الاتصال.
فكيف يمكن، إذًا، أن تؤدي الأقليات المسلمة دورها في مثل هذا المشروع الأممي؟ ينبغي على الأقليات المسلمة أن تسعى لحماية الديمقراطية (في البلدان التي تتوفر فيها) من قبضة الأوليغارشية (oligarchy) والرأسمالية الاحتكارية—وهي عوامل غالبًا ما تُحوّل النظام الديمقراطي إلى أداة ضد مصالحهم. كما يتعيّن عليهم السعي نحو مجتمع تعددي دون التنازل عن مبادئهم الإسلامية وهويتهم الدينية. ومع استمرار العنصرية كمشكلة رئيسية، يجب التأكيد على العلاقة الوثيقة بين العنصرية ومعاداة الإسلام، والسعي لضمانات لحماية الأقليات المسلمة.
إن الأقليات المسلمة تملك قوة أكبر مما يُعتقد عادةً؛ فهي تمارس «القوة الناعمة» بمجرد التزامها بالقيم الإسلامية في سلوكها، كما أنها تملك أشكالًا مهمة من «القوة الصلبة». فقد أظهرت الجاليات المسلمة المهاجرة منذ زمن طويل مبادرات اقتصادية مستقلة؛ فعن طريق التحويلات المالية، على سبيل المثال، وفّرت الأقليات المسلمة مصادر تمويل كبيرة للعالم الإسلامي. ويمكن توظيف هذه الديناميكيات نفسها في العمل السياسي الذي يخدم مصالحهم. ومن السبل التي يمكن استكشافها: بناء روابط دولية، ورفع القضايا المحلية إلى الأمة الإسلامية ككل، مما يعزز المشاريع الإعلامية والثقافية المهملة، ويوفّر فضاءات مستقلة يستطيع فيها المسلمون طرح حلول إسلامية تحقق الخير العام.
تعقيبات
عبّرت ليندا هيُكي عن قلقها حول إمكانية تنفيذ المشاريع الأمتيّة في ظل الانقسامات الداخلية للمجتمعات المسلمة، حيث تُستخدم بعض الجماعات ضد أخرى. على سبيل المثال، يُقارن التتار في فنلندا بغيرهم من المسلمين هناك. وأكد الدكتور عويمر أنجم هذه النقطة، مشيرًا إلى أن المسلمين الأمريكيين من أصول إفريقية غالبًا ما يُستبعدون من المؤتمرات النخبوية المكلفة. بالإضافة إلى ذلك، شددت هيُكّي على أن العُرف المحلي لدى المسلمين يمكن أن يختلف بدرجة كبيرة، وقد يشكّل عائقًا أمام الأمتيّة. والسؤال المطروح حينئذ هو: كيف يمكننا ترجمة الخصوصيات المحلية إلى روابط دولية؟
بيرت: يمكن للمسلمين أن يأخذوا قضايا محلية، مثلًا في فرنسا، إلى منتديات دولية للحصول على الدعم. وإن اعتراف الشريعة بالعُرف يدعم التنوع داخل الأمة الإسلامية الأوسع، وبالتالي لا ينبغي أن تتعارض هذه التباينات المحلية مع الدعم الإسلامي الدولي.
عبّرت الدكتورة فاطمة راجينا عن تقديرها لتفاؤل التقرير واهتمامه بالفئات المهملة من الأمة، وتركيزه على النشاط والعمل الأخلاقي العام استنادًا إلى القيم الإسلامية بدلًا من الدولة أو الإيديولوجيات العلمانية. لكنها حذّرت من تكرار نفس الاتجاهات الإشكالية التي أطلقتها الحداثة والاستعمار في العالم الإسلامي، مثل التراتبيات العرقية. إن التراجع النسبي للهيمنة الغربية لا يعني تراجع إيديولوجيتها، التي غالبًا ما يتم تبنيها ضمنيًا في المجتمعات والمؤسسات غير الغربية.
بيرت: علينا أن نُقيِّم أنشطتنا باستمرار على ضوء المصادر الإسلامية المعيارية (القرآن والسنة) من أجل تجنب استبطان التيارات الإيديولوجية أو إعادة إنتاج البنى التي نحاول الفكاك منها.
أعرب حامد أيضًا عن تفاؤله بما ورد في التقرير، خصوصًا توصياته العملية، لكنه تساءل عن كيفية إخراج المسلمين من حالة التشاؤم واللامبالاة التي غالبًا ما تنتج عن الاستخدام الانتقائي لمشاعر الأمة.
بيرت: علينا أن نواجه سوء استخدام مفهوم الأمة أينما وجدناه.
أسئلة إضافية من المشاركين
الدكتورة حفصة كنجوال: عند مناقشة وضع الأقليات المسلمة في بلدان مختلفة، كيف يمكننا تجاوز القمع الحكومي وتدجين الإسلام، لا سيما منذ أحداث سبتمبر ٢٠٠١؟
بيرت: اعتبار الأقليات المسلمة كأقليات ليس موقفًا طموحًا أو إيديولوجيًا، بل هو اعتراف بحقيقة الواقع. لقد فشل تدجين الإسلام إلى حد كبير في القضاء على الشعور بالأمة، ولا تزال الروابط الدولية قائمة، خاصة بفضل الإنترنت. هناك حاجة إلى مزيد من التبادلات الدولية، مثلًا من خلال الجامعات أو برامج تبادل الشباب، كما يلزم استخدام الحنكة السياسية لتجنب القمع.
الدكتور عويمر أنجم: بالنظر إلى القوة الثقافية والنفوذ الدولي للغرب، ألا ينطوي التركيز على الأقليات المسلمة على خطر تعميم نسختهم الخاصة من الإسلام كأداة غير مباشرة للإمبريالية؟ فعلى سبيل المثال، أدّى ذكر عبد الله بن بيه من قبل الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى رفع مكانة هذا العالم الموريتاني على الصعيد الدولي، مما مكنه من إقامة روابط وثيقة والتأثير في بلدان ذات أغلبية مسلمة. التركيز على الأمتيّة قد يؤدي إلى إزاحة البُعد الإقليمي لدار الإسلام، وهو أمر له دلالات فقهية قوية. تاريخيًا، لطالما كان لدار الإسلام وأهلها الأولوية في الفقه الإسلامي.
بيرت: بما أن الأمة هي كيان جماعي، فلا يمكنها أن تقطع صلتها بالأقليات المسلمة؛ فلا ينبغي تفضيل المسلمين من الأغلبية أو الأقلية على بعضهم البعض. وربما بشكل مثير للجدل، فإن الاستعمار والعولمة قد يفرضان إعادة النظر في حدود دار الإسلام بشكل دقيق.
الموضوعات
الوعد والمخاطر: لا يمكن إنكار أن الأقليات المسلمة تُشكّل جزءًا كبيرًا ومهمًا وغير ممثّل إلى حد بعيد من جسد الأمة، وكذلك الإمكانيات التي يحملها مشروع أممي يشملهم. فأمة مسلمة متجددة الحيوية ليست مفيدة للمسلمين فحسب، بل أيضًا لغير المسلمين؛ فهي شكل قوي من أشكال الأمتيّة ولكن، يجب السعي نحو تضامن أممي بحذر. هناك خطر من استبطان مفاهيم غير مسلمة وغربية ولكن بواجهة إسلامية. التراتبيات العرقية، والدولية، والقومية، والخطابات المتعلقة بالنوع الاجتماعي بين المسلمين، كلها أمثلة على كيف أن المشاريع الإسلامية ذات النوايا الحسنة قد تستبطن افتراضات وهياكل القوى غير المسلمة نفسها التي تسعى للانفكاك منها (الكمالية مثال شهير على ذلك). وهناك أيضًا خطر من التطرف في إخراج دار الإسلام عن إطارها الإقليمي لدرجة تُهمّش الحكومة الإسلامية، وهي عنصر مهم من عناصر الشريعة التقليدية. قد يكون من الضروري إعادة النظر في التصورات التقليدية لدار الإسلام، لكنها ظلت دائمًا محورية في الفقه الإسلامي، وهناك حاجة إلى إنتاج علمي جديد في هذا المجال. ومن المخاطر المرتبطة أيضًا أن يتم تحويل الإسلام إلى مجرد شعار علماني مثل «يا عمّال العالم»، وبالتالي، فإن درء هذه المخاطر يتطلب مراجعة ذاتية دائمة والرجوع إلى القرآن والسنة والعلماء المسلمين.
العالمي أم المحلي: تواجه المجتمعات المسلمة، وبخاصة الأقليات المسلمة، تحديات كبيرة مثل التنافس الداخلي، والطائفية، ومحاولات الدولة لتدجينها، والتباينات المحلية الطبيعية التي لطالما تم الاعتراف بها في الفقه الإسلامي. ورغم اختلاف الحالات بحسب السياقات، فإن بناء روابط مدروسة وحذرة بين الأقليات المسلمة والمجتمعات المسلمة الأخرى لن يضر بقضيتهم، بل قد يدعمها. لذا يجب عليهم أن «يفكروا عالميًا ويتصرفوا محليًا». ويجب استيعاب التباينات المحلية ضمن معادلة أوسع للأمة يمكن أن تدعمهم بدورها. إنها مهمة صعبة، لكنها مليئة بالإمكانات.