هذه المقالة مقدّمة لسلسلة من المقالات التي تبيّن تراكمياً الأولويةَ الملحّة لـ«الأمتية» اليوم. ومع أن هذه الأطروحات كُتبت في شكل مقالة واحدة طويلة في بادئ الأمر، فإننا سننشر كل أطروحة في مقالة منفصلة في قابل الأشهر القادمة، إن شاء الله، لتسهيل قراءتها ومشاركتها ونقدها. ساهم العديد من العلماء والمعلّمين والطلاب في تنقيح هذه الأطروحات، كان منهم ياسمين ضيف الله، وإياد هلال، ومعراج سيد، وجوزيف كامينسكي، وهناء حسن، وأليكس ثورستون، وإسماعيل يايلاجي، وعثمان بدر. ونظراً لهذه المشاركات القيمة، فإنني أكتب بصيغة الجمع «نحن»، وما كان من أخطاء وعثرات فهو مني أنا وحدي.

 

مقدمة

كنّا في طريقنا إلى المطار في عصر يوم مزدحم من أيام يوليو/تموز، بعد شهرين أمضيتهما مع ابني أحمد، ذي الأربعة عشر عاماً، في إسطنبول الساحرة. سائق السيارة، الذي لم يخفِ رغبته الشديدة في التواصل معنا، لم يكن يعرف كلمة واحدة من اللغة الإنجليزية، وكنا نحن، ويا للأسف، لا نعرف أيضاً كلمة واحدة من اللغة التركية. إلا أنني وأحمد قد أتقنا مهارة الاستعانة بجوجل للنجاة بأنفسنا في هكذا محادثات. بدأ السائق بالحديث عن تدهور الاقتصاد الذي أعجزه، وغيره من الشباب المتعلّمين القادرين، عن دفع الإيجار أو الزواج. ثم بدأ بشرح مصدر كل هذه المشاكل في نظره: انعدام روح الاتحاد بين المسلمين. فأخذ يسرد على ميكروفون هاتفي أسماء ما يقارب من اثنتي عشرة دولة التي يلزم عليهم الاتحاد معاً، وكل ذلك في خضم مقارعته لازدحام السير. وأذكر أن قائمته تضمنّت السعودية وإيران ومصر وتونس وباكستان، بالإضافة إلى تركيا طبعاً، وربما دولا أخرى.

لقد فُوجئت وسُعدت في آن واحد بالسهولة التي تمكّن بها ذاك السائق المكافح من إعلان هذه الرؤية الجريئة للغاية، في الوقت الذي أصبح فيه القادة والمفكرون المسلمون يرتعدون من قول هذه الكلمات علناً، لكنها لم تكن المرة الأولى في أسفاري عبر العالم التي يلمِّح فيها مسلم بسيط عادي إلى هذه الرؤية أمامي. إنّ الأمتية ما هو إلا محاولة لتجسيد هذا الشعور، الذي نعتقد أنه يمثل صوت الأمة في جميع أنحاء العالم.1

وبعد أن أوضحنا ما نعنيه بالأمّتية في مقالة سابقة، وقدمنا ​​الحجج التي تبرهن على أن وَحدة المسلمين أمر إلهي ممكن وأولوية ملحة في مقالة أخرى، نود الآن أن نتناول بعض الشكوك والاعتراضات التي أثيرت ضد هذه الرؤية. في المقالات السابقة، بيّنّا أن ازدهارنا، بل وبقائنا كمسلمين، يتطلب منا الاستجابة للأمر الإلهي بإقامة كيان إسلامي موحّد، وهو ما أجمعت عليه كافة المذاهب الإسلامية فوجبت نصب إمامٍ، يسمى أيضًا خليفة أو أمير المؤمنين، أي رئيس أو ممثّل للأمة يختص بالسلطة السياسية. ولتحقيق هذه الغاية، لا يتعيّن علينا أن نجدّد طاعتنا للّه سبحانه وتعالى فحسب، بل أن نحدّد أيضًا التحدّيات، ونرفع مستوى خطابنا، ونبدأ حوارًا بنّاءً بين علماء الأمة ومثقّفيها، ونصمّم الاستراتيجيات ونقيّمها، ونؤمّن الموارد، وننشئ المؤسسات اللازمة والقادرة على العمل في العالم الحديث.

وانطلاقاً من سعي مؤسّسة أمّتكس بالإسهام في النتاج البحثي المرتبط بهذا العمل، نشجّع العمل البحثي الذي يتمحور حول ثلاثة أسئلة رئيسية: «لماذا؟» (تبيان أسباب ضرورة وحدة المسلمين)، و«كيف؟» (تطوير وتقييم استراتيجيات التحول والتكامل على مستويات مختلفة)، «ماذا؟» (التصميم المؤسّسي للخلافة الحديثة وأبعادها القانونية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية).

تركّز هذه السلسلة من المقالات على محور «لماذا؟»، إذ تقيّم بعض الاعتراضات الشائعة ومصادر التشكيك في هذه الغاية الجليلة، أي توحيد الأمة سياسياً، التي لها أن تؤثّر في ملياري مسلم منتشرين في حوالي خمسين دولة حول العالم، ومن بين هؤلاء ما نسبته 22-30% من المسلمين الذين يعيشون في دول ذات أغلبية غير مسلمة.2

 نرسم في هذه المقالة التمهيدية معالم الطريق بمناقشة بعض المصطلحات الرئيسية (الوحدة، التضامن، الخلافة) ونحدّد بإيجاز جوانب مهمة من محورَي «ماذا» و«كيف؟» قبل أن نفصّل أكثر في سؤال «لماذا؟» في ما سيأتي من مقالات.

 

الاعتصام بحبل الله: عن الوحدة والتضامن

نبدأ بشرح ما نعنيه بكلمات مثل «الوَحدة» و«التضامن»، لأن غياب الوضوح يؤدّي غالباً إلى الخلاف والارتباك. أمر الله سبحانه المسلمين بالوحدة في حدّ ذاته كأمر أساسي، حيث قال تعالى ﴿‌وَاعْتَصِمُوا ‌بِحَبْلِ ‌اللَّهِ ‌جَمِيعًا ‌وَلَا ‌تَفَرَّقُوا﴾،3 وأيضا كشرط لنهضة الأمة والعالم بأسره ولإقامة الدين.4 في بعض السياقات، تُفهم «الوحدة» على أنها تعني التماثل والتجانس، على نحوٍ يميّزها عن «التضامن» الذي يوحي بروابط ومصالح مشتركة تُقَرّ فيها الفروق الفردية وتُحتَرم الخصوصيات. وبالنظر إلى التركيز السائد اليوم على الفردانية، أصبح من الرائج أن يُنظَر إلى التضامن بوصفه قيمة إيجابية، في حين تُصوَّر الوحدة بصورة سلبية أو مشبوهة.

إننا نستطيع أن نتجاوز هذا الالتباس اللغوي من خلال الإدراك أن كل وحدة يستلزم التسامح مع بعض الاختلافات، مع الحفاظ على اتساق الموقف في الأمور التي لا مساومة فيها. السؤال الرئيسي إذن هو: ما هي الجوانب التي لا بد فيها من اتساق الموقف، والتي من أجلها نتقبّل، بل نشجّع، الاختلافات في جوانب أخرى؟ الواقع أن الخطّ الفاصل بين الوحدة والتسامح في أي دين أو أيديولوجية أو مجتمع هو ما يحدّد جوهره، كما أن الإفراط في طلب التماثل قد يكون مضرّاً بقدر ضرر التفريط فيه. ثم إن مدى الوحدة المطلوب وطبيعته يعتمدان أيضاً على طبيعة الجماعة وطموحاتها: فإذا لم يكن ثمة تكليفٌ جماعيّ سوى البقاء وربما الاستمتاع، كما هو الحال في نزهة جماعية مثلا، فإن الحد الأدنى من الوحدة يكون كافياً. أما إذا كان المطلوب هو الفعل الجماعي المنظّم، كما في حالة الجيش أو المؤسسة، فإن الرابطة المطلوبة تكون أشدّ وأعمق.

وباختصار، فإن معنى الوحدة الإسلامية وشكلها ومداها، ومسألة أين يُطلَب التمسك بحبل الله جميعاً، وأين تكون الاختلاف مقبول، ليست كلها متروكة لتقديرنا، بل هي جزء من المعايير الشرعية التي تضمّنها الوحي. فالله تعالى يطلب منا الوحدة التي لا تقبل المساومة في العقيدة والأحكام الأساسية، ولكنها مع ذلك تستوعب التنوع البشري إلى حد كبير.5 بل إن تقبّل التنوّع هو أمرٌ ضروري لصون وحدة فعالة، كما علمنا النبي صلّى الله عليه وسلم.6

إن كلَّ ركن من أركان العبادة في الإسلام، بل وكلَّ أمر في الشريعة، لا يسعى فقط إلى التعبير عن التزامنا العقائدي بتوحيد الله تعالى وتعزيزه، بل ويسعى أيضًا إلى تعزيز أبعاد أخرى من التضامن الإسلامي. ويشمل ذلك التضامن العاطفي الذي يرتكز على حبّنا لله ورسوله صلّى الله عليه وسلم وشعائره. إن صدق الإيمان مرتبط ارتباطاً مباشراً بمدى ولائنا للمؤمنين وبرائنا من أعداء الإيمان،7 كما تهدف الشريعة الإسلامية إلى صون التضامن الاجتماعي بين المؤمنين، ومن ذلك مثلاً تشريع صلاة الجماعة، وصلاة العيد، والحج، وأيضاً في العلاقات الزوجية والتجارية، وردّ السلام والتهادي، وما إلى ذلك.

ولعلنا نضيف إلى هذا البُعدَ الاقتصادي للتضامن، حيث يفرض الإسلام علينا إقامة نظام اقتصادي أساسُه الإحسان وبذل الخير للجميع، والبعد عن المعاملات الظالمة كالرِّبَا، والتطفيف في الميزان، والغش، ونحوها. غير أن أشدّ هذه الأبعاد تأثيرًا في وحدة الأمة هو ما يمكن تسميته بـالوحدة الفاعلة (agentive unity) أو الوحدة السياسية، والتي تلزمنا بتحمّل مسؤوليتنا الجماعية في أن نكون شهداء على الناس، وتطبيق الشريعة، وحماية جماعة المؤمنين ونظامها الإلهي، والجهاد في سبيلها، وما إلى ذلك. وكل جانب من جوانب هذه الوحدة يحمي الجوانب الأخرى ويكملها.

ومن الأهمية بمكان أن نفهم المعاني المتغيرة والعلاقات المتبادلة بين هذه المجالات. ففي الماضي، كان المجال الاقتصادي جزءاً من المجال الاجتماعي، ولكن مع صعود الرأسمالية اكتسب المجال الاقتصادي أهمية كبيرة وفريدة من نوعها، وأصبح يهيمن مع المجال السياسي على بقية مجالات الحياة. وعلى نحو مماثل، تغيّر ما يعتبر سياسياً على مدار التاريخ، وكان ذلك التحوّل أكثر جذرية في العصر الحديث عندما هيمن المجال السياسي على جميع المجالات الأخرى.

في العالم ما قبل الحديث، كان ما يعتبره الحاكم أو النُّخَب الحاكمة من شؤون اختصاصهم محدوداً نسبياً. ففي الإسلام، لم يكن الحاكم في العصور الوسطى مثلًا (والذي يُطلق عليه غالباً لقب السلطان أو الملك) يسنّ القانون ولا يفسّره، بل كان ينفذّه فقط، وكان تأثيره على معتقدات الناس وأخلاقهم ونظرتهم للعالم محدوداً إلى حد ما. وكان المسلمون في العصور الوسطى يعيشون وفقاً لمجتمعاتهم التي تحكمها الشريعة الإسلامية، كما يفسّرها ويجسدها العلماء والأولياء والعرف المحلّي. وعلى النقيض من أوروبا في العصور الوسطى، لم يكن للعرقية دور يُذكر في تحديد هوية المسلمين.8 وبعبارة أخرى، كان نطاق المجال السياسي صغيراً، وكان جملة المطلوب من الحاكم الدفاع عن الحدود والحفاظ على القانون والنظام من خلال صون الشريعة الإسلامية. وكانت الأواصر العقائدية والقانونية والعاطفية والاقتصادية التي تجمع المجتمعات المسلمة أواصر عميقة، ولم يكن غياب الوحدة السياسية أمراً لمسه الناس إلا في لحظات الضعف مثل فترة العدوان البيزنطي، والهجمات المغولية، والحروب الصليبية. وعلى الرغم من أن عواقب التفتّت السياسي في هذه الحالات كانت منهكة، فإن الثقة الدينية الشاملة والزخم الحضاري للإسلام جعلا التعافي ممكناً.

باختصار، ونظراً للاتساع الكبير للعالم الإسلامي وغياب التكنولوجيا اللازمة للتواصل والسفر بشكل أسرع، كانت تكلفة التفتّت السياسي منخفضة ولم يكن ضرره مدمراً كما هو الحال اليوم. وعلى الرغم من هذه الصعوبات، لم يتخلَّ علماء الإسلام قط عن شرط تنصيب خليفة، ولم يشكّكوا في إجماع الصحابة على ذلك، لأنهم رأوه جزءاً ضرورياً من الدين وليس مجرد حدث تاريخي أو ترف.

 

لماذا «الخلافة»؟ لأن الكلمات لها شأن

إذا كان تركيز الأمتية منصباً على إحياء الأمة، فلماذا الإصرار على مصطلح «الخلافة» وتعريض الخطاب لاحتمال الارتباط بالجماعات المتطرفة أو إثارة حساسية كثيرين؟ لماذا لا نتحدّث فقط عن وحدة المسلمين أو الحكم الإسلامي؟ والجواب لأننا نؤمن باستعادة عزة ديننا من أيادي المستعمرين الجدد ومن تواطأ معهم من بني جلدتنا وكذلك من أيدي الجماعات المتطرفة ذات الطابع الارتجاعي. فالتنازل عن مصطلحاتنا ورموزنا الإسلامية الأساسية يهدّد بقطع ارتباطنا بالوحي الإلهي وإرباك رؤيتنا، وسيُفهم مثل هذا التنازل على أنه تردّد في المبادئ الأساسية.

والأهم من ذلك أن مؤسسة الخلافة أو الإمامة تُشير إلى استمراريتين جوهريتين: الأولى امتداد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثانية امتداد إلى كل مسلم في أي مكان من العالم. وبالتالي، فالخلافة ليست مجرد مؤسّسة سياسية بالمعنى الحديث، بل هي المفتاح لتجسيد هاتين الاستمراريتين وتأكيد هويتنا الجماعية كجسد واحد. لا يوجد أي مصطلح آخر يمتلك القوة المفاهيمية والعاطفية لاستحضار هذا الأمر القرآني، والأصالة السنية، والعمق الأمتي. لذلك، يجب على قطاعات واسعة من الأمة أن تحمي الخلافة من مساعي الأشرار الإمبرياليين العالميين ووكلائهم المحليين لشيطنتها باعتبارها تهديداً يحمل قيم الاستبداد المطلق من العصور الوسطى، وإساءة استخدامها من قبل الجماعات المتطرفة.

إذن ما هي الخلافة ومن هو الخليفة؟ هناك معنيان رئيسيان لكلمة خليفة (والتي معناه لغةً النائب أو الأمين) في القرآن الكريم، وكلّ منهما يتعلق بخطابين مهمّين، ومختلفان تماماً، وهناك من يخلط بينهما في عصرنا الحديث. ففي سورة ص تشير الآيات (26- 38) إلى القوة والسلطة الممنوحة لنبي الله داود عليه السلام. والقرآن هنا لا يُحدِّد الجهة التي خُلِف عنها، وقد اختلف المفسرون في ذلك على قولين: الأول، أن الخليفة هنا هو خليفة في النبوّة والسياسة عن موسى والأنبياء السابقين عليهم الصلاة والسلام؛ وفي هذه الحالة يكون معنى الخلافة الصحيح بترجمتها اللغوية. ثانياً، أن داود عليه السلام هو خليفةٌ عن الله تعالى، وهو قول استنكَرَه طائفة من العلماء لتوهّمه النيابة عن الله، وهو أمر مستحيل، فيما قبله آخرون بشرط أن يُفهم على أنه نائب أو وكيل أو أمين مُكلَّف بتنفيذ أوامر الله تعالى.9 وباختصار، فإن معنى الخليفة في هذه الآية هو السلطة السياسية التي تسير على خطى الأنبياء والمقيدة بالوحي الإلهي. وبهذا المعنى يُطلق على أبي بكر رضي الله عنه لقب «خليفة رسول الله، ويُطلق على جميع حكام الأمة الشرعيين هذا اللقب.

أما الذكر الآخر لكلمة «خليفة» في القرآن فهو في سورة البقرة في قصة خلق آدم عليه السلام (30- 39)، وهنا تشير إلى السلطة والمسؤولية الممنوحة لكل بني آدم، أو ربما للمؤمنين منهم، بسبب قدرتنا على معرفة الله تعالى بأسمائه واختيار عبادته.10 وعلى مدى القرن الماضي، أصبح هذا الاستخدام للمصطلح سائداً في الخطاب الإسلامي التجديدي، كوسيلة للتأكيد على خلافة البشرية ومسؤوليتها، وربما لتكملة كلمة «عبد» التي تشير إلى علاقتنا بالعبودية الطوعية والانقياد والتبجيل للّه تعالى.11ولا يمكن إنكار أن مفهوم العبد/العبادة/العبودية هو المفهوم الرئيسي الذي يحكم العلاقة بين الإنسان وربّه سبحانه في القرآن والسنة والتراث الإسلامي.12

إن فكرة كون الإنسان خليفة تشكل تصحيحاً مرحباً به إذا ما استُخدِمَت بعناية، ولكن هذا الاستخدام الجديد قد يكون مضلّلاً إذا استُخدِم لإنكار مركزية الخلافة كمؤسسة سياسية أو استبدال مصطلح «العبد» كمؤشّر رئيسي للعلاقة الإنسانية باللّه تعالى. ولكن ما هو غير مقبول، بل وحتى يمكن وصفه بالمخادع، هو أن ننسب إلى القرآن هذا المعنى الميتافيزيقي أو الروحي البعيد المنال (بأن كل البشر أو كل المسلمين خلفاء)، لإنكار أو استبدال المعنى الأكثر صحة واستعمالًا للخلافة كسلطة سياسية.13

 

الخلافة النبوية لا بد أن تكون «أمّتية»

إن خلافة المستقبل لا بد أن تكون مؤسّسة مسؤولة أمام الأمة؛ مؤسّسة تستمد قوتها من إيمان ومهارات وازدهار كلّ فرد ومجتمع وبلد مسلم. وإذا كانت الأمة، كما كتب مالك بن نبي، قد أصبحت قابلة للاستعمار قبل أن تُستعمر، فإن واجب الأمتية اليوم هو جعلها قادرة على الحكم بذاتها حتى تتمكن من تحقيق حكمها الذاتي.14إن ديننا يطالبنا بإقامة نظام إسلامي حقيقي يقوم على الجدارة، والأمة في حاجة ماسة لذلك، وليس حكم الطغاة الذين يهيمنون من خلال القمع وإسكات المعارضين، فتنوع وتعقيد الأمة المسلمة يعد من أعظم مكامن قوّتنا.

ولكن لماذا نبدأ بالأمة، بدلاً من الخلافة نفسها؟ لماذا لا نبدأ من الأعلى إلى الأسفل، ونركّز على الخلافة كمؤسّسة للسلطة السياسية التي من شأنها أن تصحّح كل شيء؟ الجواب، ببساطة، هو أن العقيدة الإسلامية والنصوص الشرعية تُقِرّ بأن الأمّة، جماعة المؤمنين، هي المخاطَب الأول بالوحي الإلهي الذي أُنزل على النبي عليه الصلاة والسلام. إن الدعوة القرآنية الجوهرية «يا أيها الذين آمنوا» هو نداء موجّه إلى جماعة المؤمنين كافة، لا إلى فردٍ بعينه ولا إلى أسرة مخصوصة. كما أن مهمة النبي الخاتم عليه الصلاة والسلام لم تُوَرَّث لفردٍ أو نخبة، بل للأمة بأكملها. فالأمة منطقيًا وزمنيًا هي التي تشكلت أولاً، ثم تختار من يَصون حقوقها ويقود مسيرتها. فالإسلام، بعبارة موجزة، دينُ مركزيّةِ الأمّة.15

الأمتية إذن هي الخطوة الأساسية نحو الخلافة على منهاج النبوة، وهي أيضاً آلية لضمان بقاء الأمة على وعي وتمكينها من محاسبة كل من في السلطة. وبعبارة أخرى، ولأن مؤسسة الخلافة الحقيقية هي خادمة للأمة وليست متسلطةً عليها، فإن النهج الذي يبدأ من الأعلى إلى الأسفل غير مقبول، ولا بد من إعداد أبناء وبنات الأمة من كل أرجاءها وتمكينهم من تأسيس هذه المؤسسة ومن ثم محاسبتها.

لا نستطيع أن نتنبّأ كيف ومتى سيحدث ذلك، ولكن الأمتية هي الاسم الذي نطلقه على الجهد اللازم لجعل هذا المسار ممكناً. وبخلاف أولئك الذين يتوهمون أن الخلافة هي اسم عصابة من المتشددين المولعين بإطلاق النار والانتقام، فإننا نعتقد أن الخلافة هي اسمٌ لحضارة إسلاميةٍ واسعة الأفق، جامعةٍ لا مفرِّقة، أصيلةٍ في انتمائها الإسلامي العميق. وإنها حضارة متنوّعة ومستنيرة، تركّز على العلاقة مع الله تعالى مع كونها إنسانية في الوقت نفسه، وتحتضن التنوع الداخلي وخبرة المسلمين مع انفتاحها على التعلم من الخبرة الإنسانية على نطاق واسع. إنها إذن حضارةُ معرفة، تقوم على الحقيقة الإلهية التي تعطي المعنى والغاية لكل المعارف والممارسات البشرية.

إن كل هذه الأهداف والفضائل والصفات ليست مجرد أداة لإنشاء اتحاد سياسي، بل إن الاتحاد هو أداة لتحقيقها. إنها أهداف مترابطة ومتكاملة، وجزءٌ لا يتجزّأ من أي ازدهار إسلامي حقيقي، ولهذا نؤكد على الحاجة إلى خطاب وتطبيق أمتي، ومجال معرفي للأمتية في كل منهج إسلامي، وفصل حول موضوع شؤون الأمة في كل كتاب فقه إسلامي متجدّد. وبعبارة أخرى، إذا أنشئت خلافة شرعية غداً فسنظلّ بحاجة إلى المعرفة والممارسات الأمتية بنفس القدر لدعمها وتوجيهها ومحاسبتها.

 

الاندماج الخطابي للأمة بوصفه شرطًا للوحدة الأمّتية

يتطلّب تحقيق هدف الوحدة الأمة إيجاد الاستعداد والالتزام الكافيين بين قطاعات واسعة من الأمة للمطالبة بالمؤسسات الإسلامية الشرعية والمسؤولة والموحدة، والقدرة على النهضة بها. وبالتالي، فإن تحقيق التضامن المستدام للأمة لا بد أن بجمع القيادة الفكرية والروحية الراشدة من مختلف الأقاليم والانتماءات، بحيث تكون قيادةً تمثّل الأمة بحق، وتُؤمِّن مشاركتها الفاعلة في الفكر والعمل على مستوى العالم الإسلامي. وسأطلق على هذا المسار عنوان «الاندماج الخطابي للأمة»، والذي يشير إلى قدرة المسلمين في مختلف أنحاء العالم على تبادل الأفكار والمخاوف والمشاعر والتطلعات في الوقت المناسب وبطريقة منتظمة ووفقًا لمرجعياتهم ورؤاهم الذاتية.

وقد شهدنا مثالاً محدوداً لهذا الاندماج الخطابي في الربيع العربي في عام 2011، عندما أشعلت شرارة واحدة في تونس تطلعات وآمال الجماهير في عشرين دولة عربية؛ ولم يكن هذا ليتحقّق لولا أن المؤسسات الإعلامية أوجدت مجالاً عاماً عربياً إسلامياً مشتركاً من عُمان إلى المغرب. ورغم أن الربيع العربي لم يكن أمتياً بالقدر الكافي ولم تقده مجموعة متماسكة من الأفكار، إلا أنه يحمل في طياته العديد من الدروس.

والمثال الأشد وضوحاً والشهادة الأعظم على حيوية الأمة، والتهديد الكبير الذي يشكّله حكامها المعادون لها، هو النضال المستمر في غزة—نسأل الله أن يحرر المسجد الأقصى وأهله ويمكّن الأمة من أداء واجبها تجاه. لقد أيقظت غزة الأمل والمشاعر الأمتية بطريقة غير مسبوقة، وأصبحت فرقانًا بين جماهير الأمة—تسعة وتسعين بالمئة منها—والتي تُجسِّد انتماءها الأمّتـي، وبين الطبقة الحاكمة التي تمثّل الواحد بالمئة، المعادية للأمّة، والتي تقف إلى جانب الإبادة الجماعية لشعبنا، بعد أن اختارت «التطبيع» مع الكيان الاستعماري الاستيطاني، في مقابل ثمنٍ بخسٍ، كما وصفه القرآن الكريم.

يتطلّب الاندماج الخطابي الاعتراف بالعديد من حركات الصحوة والنضال والمبادرات الأمتية التي تجري بالفعل في جميع أنحاء العالم. ويستلزم أيضاً اكتشاف عوامل الاشتراك وربطها وتحديد مصادر الخلاف وتوفير منصات لبناء الجسور وإدارة الخلافات بين التوجهات المتعارضة. كما أنه يعني تجديد تراث العلماء والقادة العظماء في الماضي القريب، سواء كانوا معروفين أو مهمشين في كثير من الأحيان، ودراسة نقدية لمساهماتهم وحركاتهم. والأهم من ذلك أنه يتضمّن التعرف على القادة المستقبليين والمفكرين المبدعين والعباقرة غير المقدرين وأصحاب الرسالة داخل الأمة اليوم، ومنحهم منصة لتوجيه طاقاتهم نحو قضية أمتية مشتركة. وفي مقالة لاحقة بإذن الله، سنتناول بمزيد من التفصيل كيف يُمهد الاندماج الخطابي الطريقَ نحو توحيد أمّتي عملي في مجالات مختلفة.

 

ماذا يُعرض لاحقاً: الأطروحات حول وحدة الأمة

بعد التوضيحات السابقة حول «ماذا؟» و«كيف؟»، يمكننا الآن العودة إلى «لماذا؟»: لماذا يحتاج المسلمون والعالم إلى الأمتية؟ والإجابة واضحة وضوح الشمس: لأن من الواجب الإسلامي على الأمة بإجماع جميع المذاهب الإسلامية أن تكون موحّدة وأن تؤدّي مهمتها تحت قيادة شرعية راشدة. فالوحدة والقيادة الراشدة أمران واجبان شرعاً في حد ذاتهما، وهما ضروريان لحماية بيضة الإسلام وصيانة دماء المسلمين وأرواحهم. وبالاصطلاح العقدي الإسلامي، فإنهما واجبتان بالشرع والعقل، على هذا الترتيب: فالشرع نصّ عليهما ابتداءً، والعقل يُدرك ضرورتهما تأييدًا وتفصيلًا.

إن وجود أمّة قوية، تمتلك هذا النوع من القيادة والفاعلية، ضرورة لا غنى عنها من أجل الدعوة إلى الله، وإقامة شريعته وإعلاء كلمته، وتحقيق التكليف الإلهي المتمثل في الشهادة على الناس، كما أنها الجهة الوحيدة القادرة على تقديم البديل الحضاري لأوهام العصر الحديث من تأليه الإنسان، وعبادة الذات، وأنواع الطغيان المتعدّدة، وهدايتهم إلى النجاة الأبدية. ومن ثمّ، فإنها السبيل الأوحد لتيسير سُبل النجاة والازدهار الروحي والمادي للإنسانية جمعاء.

قلّ من المسلمين من يُنكر هذه الحقيقة، لكن في زمنٍ تسرّبت فيه الشكوك إلى أعماق هويتنا، وتسلّلت فيه المفاهيم والمصطلحات والخطابات—بل حتى الأحلام—إلى دوائر التأثر بالهيمنة الفكرية، باتت كثير من الناس يعاني من أنواعٍ شتى من التردّد والارتياب. فبعضهم يرى أننا أمة ضعيفة ومتخلّفة، عاجزة عن التخطيط والعمل، أو ممزّقة بلا أمل في رأب الصدع، مصيرها أن تُستَهدف فرادى من قِبَل أعدائها، حتى تُستأصل. ويُضيف آخرون أن أمتنا مبتلاة بشكلٍ خاص بالتطرّف والاستبداد، وأنه لا أمل في أي إصلاح حتى يلتزم الجميع بـ”المنهج الصحيح” الوحيد للإسلام كما يرونه هم. بل إن بعضهم يذهب إلى أن الواجب الوحيد الممكن هو الانكفاء إلى التديّن الفردي، لأنّ التطلّع إلى أي تغيير جماعي ضربٌ من الخيال، وأن وحدة المسلمين ليست سوى حلم طوباوي. وتُفاقِم هذه الحالةَ النظرةُ الحديثة إلى التاريخ الإسلامي، حين تُقدَّم من خلال عَدَسَة الرواية الغربية العلمانية، بما يُرسِّخ اليأس؛ فيُسأل: هل وُجدت وحدةٌ شاملةٌ تحت راية حكومة راشدة خلال ألف عام قبل الاستعمار؟ وإن لم تحدث حينها، فكيف يُعقَل أن تقع اليوم؟ ويذهب البعض أبعد من ذلك، فيزعموا أن سيادة الدولة القُطرية العلمانية باتت أمرًا واقعًا لا يمكن تجاوزه ولا التراجع عنه.

كثيرة هي الشكوك والشُّبَه، بل وحتى الهواجس الصادقة أحيانًا، غير أن لكلٍّ منها جوابًا وجيهًا. فتهدف هذه السلسلة من الأطروحات إلى بيان تلك الأجوبة وتوضيحها في عددٍ من المقالات القصيرة.

 

*          *          *

 

الاقتباس المقترحة:

عويمر أنجم، « ‹لماذا الأمتية؟› سلسلة من الأطروحات»، ترجمة أنس خضر، أمّتكس، ٦ مايو ٢٠٢٥، https://ar.ummatics.org/why-ummatics-intro

 

سيتم ربط كل طرح هنا عند نشره:

هوامش

  1. تشير الدراسات باستمرار إلى هذا الواقع أيضاً، انظر:

    Mujtaba Ali Isani, Muslim Public Opinion Toward the International Order: Support for International and Regional Actors (Cham: Palgrave-MacMillan, 2019), 25; and Mujtaba Ali Isani, Daniel Silverman, and Joseph J Kaminski, “The Other Legitimate Game in Town? Understanding Public Support for the Caliphate in the Muslim World,” American Journal of Islam and Society 41, no. 2 (forthcoming, 2024).

  2. لدراسة ممتازة عن حالة الأقليات المسلمة، انظر:

    Yahya Birt, “Ummah at the Margins: The Past, Present and Future of Muslim Minorities,” Ayaan Institute, Oct 10, 2022, https://ayaaninstitute.com/research/publications/ummah-at-the-margins-the-past-present-and-future-of-muslim-minorities/

  3. آل عمران: 103.
  4. الأنفال: 46 و73، وآل عمران: 152.
  5. انظر على سبيل المثال قوله تعالى في سورة الحجرات، 13: ﴿‌يَاأَيُّهَا ‌النَّاسُ ‌إِنَّا ‌خَلَقْنَاكُمْ ‌مِنْ ‌ذَكَرٍ ‌وَأُنْثَى ‌وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.
  6. ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة تؤكد هذا المعنى، كقوله عليه الصلاة والسلام: «أنا زعيم ببيت في رَبَض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا» (أبو داود، ٤٨٠٠)، وفي حديث آخر نهى عليه الصلاة والسلام عن المراء في القرآن (أحمد، ١٧٨٢١).
  7. انظر مثلًا سورة الفتح، 49: ﴿‌مُحَمَّدٌ ‌رَسُولُ ‌اللَّهِ ‌وَالَّذِينَ ‌مَعَهُ ‌أَشِدَّاءُ ‌عَلَى ‌الْكُفَّارِ ‌رُحَمَاءُ ‌بَيْنَهُمْ﴾
  8. Michael Cook, Ancient Religion, Modern Politics: The Islamic Case in Comparative Perspective (Princeton University Press, 2014), Ch. 1, gives a textured account of the role of ethnicity in the lands of Islam.

  9. يورد فخر الدين الرازي كلا هذين التفسيرين، مع تحذيره من مقتضيات المعنى الثاني كما هو مبيّن أعلاه (https://tafsir.app/alrazi/38/26)، في حين يعترض العديد من العلماء، بمن فيهم ابن تيمية، بشدة على المعنى الثاني. ويُورد ابن جرير الطبري المعنى الأول فقط، وينوّه ابن عطية أن لقب «خليفة» الله لا يمكن أن ينطبق إلا على الأنبياء، ولكن عند تطبيقه على غير الأنبياء فإنه لا يمكن أن يعني إلا الحكام الذين يرثون هذا المنصب من أسلافهم .(https://tafsir.app/ibn-atiyah/38/29)  للاطلاع على تقييم للدراسات الحديثة في هذا الموضوع، بما في ذلك دعوى باتريشيا كرون ومارتن هند في كتابهما «خليفة الله» (God’s Caliph)، من نشر مطبعة جامعة كامبريدج عام 1986، انظر:

    Ovamir Anjum, Politics, Law, and Community in Islam: The Taymiyyan Moment (Cambridge University Press, 2012), 42-48.

  10. يذكر الطبري طيفًا من المعاني التي أُسندت إلى مفهوم «الخلافة» في القرون الأولى، ولا يقترب أيٌّ منها من معنى النيابة عن الله أو الوكالة عنه في الأرض بالمعنى العام الذي يشمل البشرية جمعاء، كما يُفترض أحيانًا في بعض القراءات المعاصرة جمعاء (https://tafsir.app/tabari/2/30).  ففي تفسيره لآية سورة البقرة (٢:٣٠)، يُفهم الخليفة إما على أنه آدم نفسه، بوصفه رسولًا من عند الله، أي صاحب سلطة ومسؤولية تجاه ربه، وهو ذات المعنى الذي نجده في آية سورة ص، أو يُفهم على أنه جميع بني آدم، ولكن في هذه الحالة لا يُحمَل المصطلح على معنى السلطة السياسية. بل يُفَسَّر الاستخلاف هنا على أنه مجرد تعاقب الأجيال البشرية، أو أن جنس البشر ككل قد خَلَف مخلوقًا سابقًا. ويظهر هذان الاحتمالان أيضًا في تفسير القرطبي، بينما نجد أن المفسرين المتأخرين يميلون إلى الجمع بين المعنيين بطرق متعددة، فيأخذون بمفهوم أن المؤمنين كافةً قد خُوِّلوا أمانة ومسؤولية ميتافيزيقية تشمل القيام بأمر الله وتحقيق مقاصده في الأرض. وجميع هذه المعاني مقبولة ما دامت مقيّدة بالنصوص والعقائد المحكمة.
  11. للاطلاع على هذين الاستعمالين، انظر:

    Muftī Taqī Usmānī, Islam and Politics (London: Turath Publishing, 2018), 33.

  12.  في الإشارة إلى العلاقة بين الله تعالى والبشر، ترد كلمة «خلف» ومشتقاتها بضع مرات في القرآن، في حين أن كلمة «عبد» ومشتقاتها هي الأكثر اعتمادًا حيث وردت أكثر من مائتي مرة.
  13. يمكن العثور على مثال لهذه الخطوة في:

    Haroon Mughal, Two Billion Caliphs: A Vision of a Muslim Future (Beacon Press, 2022).

  14. اشتهر المفكر الجزائري مالك بن نبي بصياغة مصطلح «قابلية الاستعمار» في كتابه «قابلية الاستعمار: مشاكل الحضارة». للاطلاع على فكره، انظر:

    Ahmed Jaafri, “The Colonizability of African and Asian Societies from the Perspective of Malek Bennabi (Historical Insights),” Psychology and Education 60, no. 2 (2023): 1829-1841.

  15. لمناقشة مفصلة، انظر:

    Ovamir Anjum, Politics, Law, and Community in Islamic Thought (Cambridge University Press, 2012), Ch. 6.

اكتشف المزيد

من يريد الخلافة؟

يوليو 10, 2025
د. عويمر أنجم

مؤتمر إسطنبول ٢٠٢٥ | التحول الأُمَّتي: البحث، المنهج، المستقبل

يوليو 6, 2025
مؤسسة أمّتكس

التضامن الأُمَّتي مع تنوعها الجميل | مع وضاح خنفر

يونيو 24, 2025
وضاح خنفر

يبحث

يبحث

التنقل

ملتقيات أمّتكس
مجالات الاهتمام
أوراق بحثية
الاصدارات
عن أمّتكس
يبحث